تتواصل في القرى والمدن العربية الفلسطينية في إسرائيل والمناطق المحتلة ، عروض الفيلم الوثائقي الفلسطيني الاستعراضي "هاي بلادي وهاي الدار" ، الذي يلقى أصداء واسعة بين جمهور المشاهدين والمهتمين بالدراما الفنية . وقد غزا هذا الفيلم المهرجانات السينمائية والتضامنية مع الشعب الفلسطيني ، وعرض على شاشة الفضائية الفلسطينية قبل أسابيع قليلة. وهو من إخراج ناظم الشريدي الفحماوي ، إبن المرحوم المناضل الفلسطيني محمد يوسف الشريدي ، وتقديم وغناء الفنان الفلسطيني رائد كبها من خور صقر بالمثلث. ويشارك في التمثيل إلى جانب رائد سوسن زبيدات والأسير المحرر محمد العيساوي . والمونتاج لرائد زواهرة ، والموسيقى التصويرية لمحمد جبالي ، والتوزيع الموسيقي لمحمود بدوية ، محمود كستومي، مرسي بيادسة، مراد دراوشة، والمساعد في الإخراج المصور عبد الرؤوف أبو فنه من كفر قرع.
أما كلمات الأغاني فهي للشعراء فدوى طوقان وسعود الأسدي وتميم الأسدي وموسى الحافظ.
ويروي الفيلم بالصوت والصورة قصة النكبة والتغريبة الفلسطينية ، وحكاية الرحيل والبقاء والتشبث بارض الوطن الغالي ، من خلال مدينتين فلسطينتين تاريخيتين هما عكا ويافا ، وقرية لفتا المهجرة الواقعة قضاء القدس . ولهاتين المدينيتين تاريخ عريق يستعرضه المخرج من خلال الصور الرائعة ، التي التقطها الطاقم الفني، ومن خلال حكايا واغاني المطرب رائد كبها .
فعكا هي عروس البحر وقاهرة نابليون ، التي لا تخاف هدير البحر، وثورة القسام 1936، والمدينة التي اعدم فيها الشهداء محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير ، وهي الجزار والفنار والميناء وخان العمدان والازقة والسوق القديم وسواها من الامكنة التي تنعش الذاكرة الفلسطينية الحية.
بينما يافا الجميلة القديمة بين المدائن ذات الجذور الكنعانية ، فهي عروس الساحل الفلسطيني ومدينة البرتقال وبرج الساعة وحي العجمي ومسجد البحر وبيارة العطر والشعر والثقافة والصحافة والادب . وقد ابدع المخرج ناظم الشريدي باختيار صوت المؤذن والكنيسة كدليل على عناق وتآخي الهلال والصليب ووحدة المسلمين والنصارى في مواجهة التحديات والوقوف في وجه غول سياسة التفرقة العنصرية السلطوية.
تبدأ احداث الفيلم بدعوة عامة يطلقها ويوجهها الفنان رائد كبها الى جميع ابناء الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده ، في الوطن والمهاجر والمنافي القسرية وارض الشتات ، للاحتفاء بسهرة حناء عروس بحر عكا ويافا ، ولاتمام المراسيم ينطلق رائد كبها في رحلة شاقة ومنهكة وفي الوقت نفسه مشوقة باحثاً عن العروس التي اختفت آثارها منذ العام 1948.
والى جانب استخدام الرواية في الفيلم كعنصر جديد في السينما الفلسطينية ، نجد توظيف للاغنية الشعبية الفلسطينية في سرد الحقائق وتصوير الاحداث ، حيث ترافق الفيلم من بداياته وحتى نهايته.
ان فيلم "هاي بلادي وهاي الدار" هو فيلم سينمائي وثائقي استعراضي وتسجيلي جدير بالمشاهدة ، وقد حقق نجاحاً باهراً منقطع النظير واستطاع خطف العيون والابصار والقلوب بلوحاته ومشاهده الاستعراضية الوثائقية ، التي تعبق بالذكرى وتحكي عن الجذور وتاريخ فلسطين والتراجيديا الفلسطينية ، وتصور الترحيل والتهجير والتشريد من الوطن .
ويمكن القول ان هذا الفيلم يشكل لبنة اخرى في بناء سينما فلسطينية وطنية جادة وهادفة وملتزمة . فكل التحية للمخرج وللممثلين الذين اثبتوا حضورهم وأدّوا ادوارهم بنجاح وكما يجب ، ومزيداً من التألق والسطوع وبانتظار المزيد من الافلام الوثائقية التاريخية التي تتناول حكاية شعب يطمح الى الاستقلال والحرية والعدل والفرح الانساني .